فصل: بين يدي الروايات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فصل:
وأما ما يتعلق بالجوارح من الأعمال ولا يخرج من جملتها القول باللسان فيما عدا الخبر الذي وقع فيه الكلام ولا الاعتقاد بالقلب فيما عدا التوحيد وما قدمناه من معارفه المختصة به فأجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات ومستند الجمهور في ذلك الإجماع الذي ذكرناه وهو مذهب القاضى أبو بكر ومنعها غيره بدليل العقل مع الإجماع وهو قول الكافة، واختار الأستاذ أبو إسحاق وكذلك لا خلاف أنهم معصومون من كتمان الرسالة والتقصير في التبليغ، لأن كل ذلك يقتضى العصمة منه المعجزة مع الإجماع على ذلك من الكافة، والجمهور قائل بأنهم معصومون من ذلك من قبل الله معتصمون باختيارهم وكسبهم إلا حسينا النجار فإنه قال لا قدر لهم على المعاصي أصلا، وأما الصغائر فجوزها جماعة من السلف وغيرهم على الأنبياء وهو مذهب أبى جعفر الطبري وغيره من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، وسنورد بعد هذا ما احتجوا به، وذهبت طائفة أخرى إلى الوقف وقالوا العقل لا يحيل وقوعها منهم ولم يأت في الشرع قاطع بأحد الوجهين، وذهبت طائفة أخرى من المحققين من الفقهاء والمتكلمين إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر، قالوا: لاختلاف الناس في الصغائر وتعيينها من الكبائر، وإشكال ذلك وقول ابن عباس وغيره إن كل ما عصى الله به فهو كبيرة وأنه إنما سمى منها الصغير بالإضافة إلى ما هو أكبر منه ومخالفة الباري في أي أمر كان يجب كونه كبيرة، قال القاضى أبو محمد عبد الوهاب لا يمكن أن يقال إن في معاصي الله صغيرة إلا على معنى أنها تغتفر باجتناب الكبائر ولا يكون لها حكم مع ذلك بخلاف الكبائر إذا لم يتب منها فلا يحبطها شيء والمشيئة في العفو عنها إلى الله تعالى وهو قول القاضى أبى بكر وجماعة أئمة الأشعرية وكثير من أئمة الفقهاء، وقال بعض أئمتنا: ولا يجب على القولين أن يختلف أنهم معصومون عن تكرار الصغائر وكثرتها إذ يلحقها ذلك بالكبائر ولا في صغيرة أدت إلى إزالة الحشمة وأسقطت المروؤة وأوجبت الإزراء والخساسة، فهذا أيضا مما يعصم عنه الأنبياء إجماعا، لأن مثل هذا يحط منصب المتسيم به ويزري بصاحبه وينفر القلوب عنه والأنبياء منزهون عن ذلك، بل يلحق بهذا ما كان من قبيل المباح فأدى إلى مثله لخروجه بما أدى إليه عن اسم المباح إلى الحظر، وقد ذهب بعضهم إلى عصمتهم من مواقعة المكروه قصدا، وقد استدل بعض الأئمة على عصمتهم من الصغائر بالمصير إلى امتثال أفعالهم واتباع آثارهم وسيرهم مطلقا، وجمهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مالك والشافعي وأبى حنيفة من غير التزام قرينة بل مطلقا عند بعضهم وإن اختلفوا في حكم ذلك، وحكى ابن خويز منداذ وأبو الفرج عن مالك التزام ذلك وجوبا وهو قول الأبهري وابن القصار وأكثر أصحابنا وقول أكثر أهل العراق وابن سريج والإصطخري وابن خيران من الشافعية وأكثر الشافعية على أن ذلك ندب، وذهبت طائفة إلى الإباحة.
وقيد بعضهم الاتباع فيما كان من الأمور الدينية وعلم به مقصد القربة ومن قال بالإباحة في أفعاله لم يقبد قال فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم في أفعالهم، إذ ليس كل فعل من أفعاله يتميز مقصد به من القربة أو الإباحة أو الحظر أو المعصية،
ولا يصح أو يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية لاسيما على من يرى من الأصوليين تقديم الفعل على القول إذا تعارضا، ونزيد هذا حجة بأن نقول من جوز الصغائر ومن نفاها عن نبينا صلى الله عليه وسلم مجمعون على أنه لا يقر على منكر من قول أو فعل وأنه متى رأى شيئا فسكت عنه صلى الله عليه وسلم دل على جوازه فكيف يكون هذا حاله في حق غيرهن ثم يجوز وقوعه منه في نفسه وعلى هذا المأخذ تجب عصمته من مواقعة المكروه كما قيل وإذ الحظر أو الندب على الاقتداء بفعله ينافى الزجر والنهى عن فعل المكروه، وأيضا فقد علم من دين الصحابة قطعا الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم كيف توجهت وفي كل؟؟ كالاقتداء بأمواله فقد نبذوا خواتيمهم حين نبذ خاتمه، وخلعوا نعالهم حين خلع واحتجاجهم برؤية ابن عمر إياه جالسا لقضاء حاجته مستقبلا بيت المقدس واحتج غير واحد منهم في غير شيء مما بابه العبادة أو العادة بقوله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله وقال: «هلا خبرتيها أنى أقبل وأنا صائم» وقالت عائشة محتجة: «كنت أفعله أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم» وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذي أخبر بمثل هذا عنه فقال «يحل الله لرسوله ما يشاء» وقال: «إنى لاخشاكم لله وأعلمكم بحدوده» والآثار في هذا أعظم من أن نحيط بها لَكِنه يعلم من مجموعها على القطع اتباعهم أفعاله واقتداؤهم بها ولو جوزوا عليه المخالفة في شيء منها لما اتسق هذا وليقل عنهم وظهر بحثهم عن ذلك ولما أنكر صلى الله عليه وسلم على الآخر قوله واعتذاره بما ذكرناه. وأما المباحات فجائز وقوعها منم إذ ليس فيها قدح بل هي مأذون فيها وأيديهم كأيدي غيرهم مسلمة عليها إلا أنهم بما خصوا به من رفيع المنزلة وشرحت لهم صدورهم من أنوار المعرفة واصطفوا به من تعلق بالهم بالله والدار الآخرة لا يأخذون من المباحات إلا الضرورات مما يتقون به على سلوك طريقهم وصلاح دينهم وضرورة دنياهم وما أخذ على هذه السبيل التحقق طاعة وصار قربة كما بينا منه أول الكتاب طرفا في خصال نبينا صلى الله عليه وسلم، فبان لك عظيم فضل الله على نبينا وعلى سائر أنيبائه عليهم السلام بأن جعل أفعالهم قربات وطاعات بعيدة عن وجه المخالفة ورسم المعصية. اهـ.

.بحث نفيس بعنوان نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق:

للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.مقدمة:

الحمد لله الذي اصطفى نبينا على سائر البشر، وعصمه من الشيطان أن يوحي إليه بشرِّ، فقال تعالى مخاطبًا إبليس اللعين: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42]، بل جعل تعالى له السلطة على شيطانه القرين، فكيف من كان عنه من المبعدين؟. كما أشار إلى ذلك قول رسوله الكريم: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن» قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: «وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير». وصلى الله على محمد الذي مكنه الله تعالى من إبليس حتى كاد أن يخنقه، وهَمّ أن يربطه بسارية من سواري مسجد المدينة، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد؛ فقد كتب إلى بتاريخ 14: 7: 1952م بعض الأستاذة من الإخوان الأعزة من الباكستان حيث أُوفد إليها لغاية علمية- يسألني عن رأيي في حديث الغرانيق الذي اختلف فيه قول حافظين كبيرين، هما: ابن كثير الدمشقي، وابن حجر المصري، فقد أنكره الأول وقواه الآخر. وطلب مني أن لا أضن بالجواب عليه، فلبثت بعض الأشهر أترقب فرصة أستطيع فيها إجابة طلبه. ثم لقيني أحد الأحبة عقب صلاة عيد الأضحى لهذه السنة- 1371هـ- فسألني أيضًا عن حديث الغرانيق، فأجبته بأنه لا يصح، بل هو باطل موضوع، فذكر لي أن أحد الشباب ممن في قلوبهم مرض احتج به على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان- وحاشاه- يتكلم بما يرضي المشركين جذبًا لهم إليه، لأنه بزعمه الباطل لم يكن نبيًّا صادقًا، وإنما كان يتظاهر بذلك تَرَؤُسًا عليهم كما يهرف بذلك بعض الملاحدة قديمًا وحديثا، فحملني ذلك على أن اغتنم فرصة العيد المذكور، فشرعت- متوكلًا على الله الغفور- في جمع طرق تلك القصة من كتب التفسير والحديث، وبينت عللها متنًا وسندًا، ثم ذكرت قول الحافظ ابن حجر في تقويتها، وتعقبته بما يبين وَهْيَ ما ذهب إليه، ثم عقّبت على ذلك بذكر بعض البحوث والنقول عن بعض الأئمة الفحول ذوي التحقيق في الفروع والأصول، تؤيد ما ذهبنا إليه من نكارة القصة وبطلانها، ووجوب رفضها، وعدم قبولها، تصديقًا لقوله تعالى: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلًا} [الفتح: 9]، فجاءت رسالة فريدة في بابها، قوية في موضوعها، ترفع حيرة الأخ المؤمن، وتطيح بشبهة الملحد الأرعن، وقد سميتها: نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق.
أسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه، ويقبلها مني نصرة لنبيه، ويدّخر لي ثوابها ليوم أحْوَجُ ما نكون فيه إلى شفاعته، {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء: 88- 89] إنه هو السميع العليم، والبر الرحيم.
محمد ناصر الدين الألباني.
دمشق في: 2- 1- 1372هـ.
21- 9- 1952م.

.بين يدي الروايات:

وقبل أن أشرع في سَوق روايات القصة، أرى أنه لابد من أن نذكر كلمة، تتميمًا لفائدة الرسالة، فأقول:
إن هذه القصة قد ذكرها المفسرون عند قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلآ إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم (52) ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد (53) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين ءامنوا إلى صراط مستقيم (54)} [الحج].
وقد اختلفوا في تفسير قوله تعالى: {تمنى} و{أمنيته}، وأحسن ما قيل في ذلك: إن {تمنى} من الأمنية وهي التلاوة، كما قال الشاعر في عثمان رضي الله عنه حين قتل:
تمنى كتاب الله أول ليلة ** وآخرها لاقى حِمام المقادر

وعليه جمهور المفسرين والمحققين، وحكاه ابن كثير عن أكثر المفسرين، بل عزاه ابن القيم إلى السلف قاطبة فقال في إغاثة اللهفان (1: 93): والسلف كلهم على أن المعنى إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته وبيّنه القرطبي فقال في تفسيره (12: 83): وقد قال سليمان بن حرب: إن في بمعنى: عند، أي ألقى الشيطان في قلوب الكفار عند تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم كقوله عز وجل: {ولبثت فينا} [الشعراء: 18]، أي عندنا، وهذا هو معنى ما حكاه ابن عطية عن أبيه عن علماء الشرق، وإليه أشار القاضي أبو بكر بن العربي.
قلت: وكلام أبي بكر سيأتي في محله إن شاء الله تعالى، وهذا الذي ذكرناه من المعنى في تفسير الآية، هو اختيار الإمام ابن جرير، حيث قال بعد ما رواه عن جماعة من السلف (17:121): وهذا القول أشبه بتأويل الكلام، بدلالة قوله تعالى: {فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته} [الحج: 52] على ذلك، لأن الآيات التي أخبر الله جل ثناؤه أنه يحكمها لا شك أنها آيات تنزيله، فمعلوم بذلك أن الذي ألقى فيه الشيطان، هو ما أخبر تعالى ذكره أنه نَسَخ ذلك منه وأبطله ثم أحكمه بنسخه ذلك، فتأمل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله وقرأ أو حدّث وتكلم، ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه. أو في حديثه الذي حدّث وتكلم، فينسخ الله ما يلقي الشيطان بقوله تعالى: فيُذْهِب الله ما يلقي الشيطان من ذلك، على لسان نبيه ويبطله.
هذا هو المعنى المراد من هذه الآية الكريمة، وهي كما ترى ليس فيها إلا أن الشيطان يلقي عند تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم ما يفتتن به الذين في قلوبهم مرض، ولَكِن أعداء الدين الذين قعدوا له في كل طريق، وترصدوا له عند كل مرصد، لا يرضيهم إلا أن يدسوا فيه ما ليس منه، ولم يقله رسوله، فذكروا ما ستراه في الروايات الآتية، مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة، وذلك دَيْدَنهم منذ القديم، كما فعلوا في غير ما آية وردت في غيره صلى الله عليه وسلم من الأنبياء، كداود، وسليمان، ويوسف عليهم الصلاة والسلام، فرووا في تفسيرها من الإسرائيليات ما لا يجوز نسبته إلى رجل مسلم فضلًا عن نبي مُكَرَّم. كما هو مبين في محله من كتب التفاسير والقصص.
فَحذارِ أيها المسلم أن تغتر بشيء منها فتكون من الهالكين، و«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» كما قال نبيك صلى الله عليه وسلم: {وإن الله لهادِ الذين ءامنوا إلى صراط مستقيم} [الحج: 54].

.روايات القصة وعِلَلُها:

بعد أن فرغنا من ذكر الفائدة التي وعدنا بها، أعود إلى ذكر روايات القصة التي وقفنا عليها لكي نسردها رواية رواية، ونذكر عقب كل منها ما فيها من علة فأقول:
1- عن سعيد بن جبير قال: «لما نزلت هذه الآية: {أفرءيتم اللات والعزى} [النجم: 19]، قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترجى فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: إنه لم يذكر آلهتهم قبل اليوم بخير، فسجد المشركون معه، فأنزل الله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول } إلى قوله: {عذاب يومٍ عقيمٍ} [الحج: 52- 55]». أخرجه ابن جرير (17: 120) من طريقين عن شعبة عن أبي بشر عنه، وهو صحيح الإسناد إلى ابن جبير، كما قال الحافظ على ما يأتي عنه، وتبعه السيوطي في الدر المنثور (4: 366)، وعزاه لابن المنذر أيضًا وابن مردويه بعد ما ساقه نحوه بلفظ: ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى الحديث، وفيه: ثم جاءه جبريل بعد ذلك، قال: اعرض على ما جئتك به، فلما بلغ: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترجى قال جبريل: لم آتك بهذا، هذا من الشيطان! فأنزل الله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} [الحج: 52].
وهكذا أخرجه الواحدي في أسباب النزول من طريق أخرى عن سعيد بن حسن، كما سيأتي. وقد روي موصولًا عن سعيد، ولا يصح: رواه البزار في مسنده عن يوسف بن حماد عن أمية بن خالد، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- فيما أحسبه، الشك في الحديث- أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمكة سورة {النجم} حتى انتهى إلى قوله: {أفرءيتم اللات والعزى} [النجم: 19]، وذكر بقيته، ثم قال البزار: لا نعلمه يروى متصلًا إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أمية ابن خالد وهو ثقة مشهور، وإنما يروى هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس. كذا في تفسير ابن كثير (3: 129).
وعزا الحافظ في تخريج الكشاف (4: 144) هذه الرواية للبزار، والطبري، وابن مردويه, وعزوه للطبري سهو، فإنها ليست في تفسيره فيما علمت- إلا إنْ كان يعني غير التفسير من كتبه، وما أظن يريد ذلك، ويؤيدني أن السيوطي في الدر عزاها لجميع هؤلاء إلا الطبري، إلا أن السيوطي أوهم أيضًا حيث قال عطفًا على ما ذكر: والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ، فذكر الحديث مثل الرواية المرسلة التي نقلناها آنفًا عن الدر نفسه، ومحل الإيهام هو قوله: بسند رجاله ثقات بالإضافة إلى أنه أخرجه الضياء في المختارة فإن ذلك يوهم أنه ليس بمعلول، وهذا خلاف الواقع، فإنه معلول بتردد الراوي في وصله كما نقلناه عن تفسير ابن كثير وكذلك هو في تخريج الكشاف وغيره، وهذا ما لم يرد ذِكرُه في سياق السيوطي، ولا أدري أذلك اختصار منه، أم من بعض مخرجي الحديث؟ وأيًّا ما كان، فما كان يليق بالسيوطي أن يغفل هذه العلة، لاسيما وقد صرح بما يشعر أن الإسناد صحيح، وفيه من التغرير ما لا يخفى، فإن الشك لا يوثق به، ولا حقيقة فيه، كما قال القاضي عياض في الشفاء (2:118) وأقره الحافظ في التخريج لَكِنه قال عقب ذلك: ورواه الطبري من طريق سعيد بن جبير مرسلًا، وأخرجه ابن مردويه من طريق أبي عاصم النبيل، عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس نحوه، ولم يشك في وصله، وهذا أصح طرق الحديث. قال البزار...
قلت: وقد نقلنا كلام البزار آنفًا، ثم ذكر الحافظ المراسيل الآتية، ثم قال: فهذه مراسيل يقوي بعضها بعضًا.